فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فلا يخلو أن يكون نجس العين أو مبعدًا من طريق الحكم.
وأيّ ذلك كان فمنعه من المسجد واجب؛ لأن العلة وهي النجاسة موجودة فيهم، والحرمة موجودة في المسجد.
يقال: رجل نَجَس، وامرأة نَجَس، ورجلان نَجَس، وامرأتان نَجَس، ورجال نَجَس، ونساء نَجَس؛ لا يُثَنَّى ولا يُجمَع لأنه مصدر.
فأما النِّجْس (بكسر النون وجزم الجيم) فلا يقال إلا إذا قيل معه رجْس.
فإذا أفرد قيل نَجِس (بفتح النون وكسر الجيم) ونَجُس (بضم الجيم).
وقال الشافعيّ رحمه الله: الآية عامةٌ في سائر المشركين، خاصّةٌ في المسجد الحرام، ولا يمنعون من دخول غيره؛ فأباح دخول اليهوديّ والنصرانيّ في سائر المساجد.
قال ابن العربِيّ: وهذا جمود منه على الظاهر؛ لأن قوله عز وجل: {إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ} تنبيه على العلة بالشرك والنجاسة.
فإن قيل: فقد ربط النبيّ صلى الله عليه وسلم ثُمامة في المسجد وهو مشرك.
قيل له: أجاب علماؤنا عن هذا الحديث وإن كان صحيحًا بأجوبة: أحدها أنه كان متقدّمًا على نزول الآية.
الثاني أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان قد علم بإسلامه فلذلك ربطه.
الثالث أن ذلك قضيّة في عَيْن فلا ينبغي أن تُدفع بها الأدلة التي ذكرناها؛ لكونها مقيِّدة حكم القاعدة الكلية.
وقد يمكن أن يقال: إنما ربطه في المسجد لينظر حُسْن صلاة المسلمين واجتماعهم عليها، وحسنَ آدابهم في جلوسهم في المسجد؛ فيستأنس بذلك ويُسلم؛ وكذلك كان.
ويمكن أن يقال: إنهم لم يكن لهم موضع يربطونه فيه إلا في المسجد، والله أعلم.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يُمنع اليهود والنصارى من دخول المسجد الحرام ولا غيره، ولا يُمنع دخول المسجد الحرام إلا المشركون وأهل الأوثان.
وهذا قول يردّه كل ما ذكرناه من الآية وغيرها.
قال الكِيَا الطبريّ: ويجوز للذميّ دخول سائر المساجد عند أبي حنيفة من غير حاجة.
وقال الشافعيّ: تعتبر الحاجة، ومع الحاجة لا يجوز دخول المسجد الحرام.
وقال عطاء بن أبي رَباح: الحَرَم كله قِبلةٌ ومسجدٌ، فينبغي أن يمنعوا من دخول الحَرَم؛ لقوله تعالى: {سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ المسجد الحرام} [الإسراء: 1].
وإنما رفع من بيت أُمّ هانئ.
وقال قتادة: لا يقرب المسجد الحرام مشرك؛ إلا أن يكون صاحب جزْية، أو عبدًا كافرًا لمسلم.
وروى إسماعيل بن إسحاق حدثنا يحيى بن عبد الحميد قال حدثنا شُريك عن أشعث عن الحسن عن جابر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقرب المسجد مشرك إلا أن يكون عبدًا أو أَمَّة فيدخله لحاجة» وبهذا قال جابر بن عبد الله؛ فإنه قال: العموم يمنع المشرك عن قربان المسجد الحرام، وهو مخصوص في العبد والأَمة.
الرابعة قوله تعالى: {بَعْدَ عَامِهِمْ هذا} فيه قولان: أحدهما أنه سنة تسع التي حجّ فيها أبو بكر.
الثاني سنة عشر؛ قاله قَتادة.
ابن العربيّ: وهو الصحيح الذي يعطيه مقتضى اللفظ، وإن من العجب أن يقال: إنه سنة تسع، وهو العامُ الذي وقع فيه الأذان.
ولو دخل غلامُ رجلٍ داره يومًا فقال له مولاه: لا تدخل هذه الدار بعد يومك، لم يكن المراد اليوم الذي دخل فيه.
الخامسة قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} قال عمرو بن فائد: المعنى وإذْ خفتم.
وهذه عُجمة، والمعنى بارع بإن.
وكان المسلمون لما منعوا المشركين من الموسم، وهم كانوا يجلبون الأطعمة والتجارات، قذف الشيطان في قلوبهم الخوف من الفقر وقالوا: من أين نعيش.
فوعدهم الله أن يغنيهم من فضله.
قال الضحاك: ففتح الله عليهم باب الجزية من أهل الذّمة بقوله عز وجل: {قَاتِلُواْ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله وَلاَ باليوم الآخر} الآية.
وقال عِكْرمة: أغناهم الله بإدرار المطر والنبات وخِصب الأرض.
فأخصبت تَبالة وجُرَش، وحملوا إلى مكة الطعام والوَدَك وكثر الخير.
وأسلمت العرب: أهل نجد وصنعاء وغيرهم؛ فتمادى حجهم وتَجْرهم.
وأغنى الله من فضله بالجهاد والظهور على الأُمم.
والعَيْلة: الفقر.
يقال: عال الرجل يعيل إذا افتقر.
قال الشاعر:
وما يَدرِي الفقير متى غَنَاه ** وما يدرِي الغنيّ متى يَعِيلُ

وقرأ علقمة وغيره من أصحاب ابن مسعود {عائلة} وهو مصدر؛ كالقائلة من قال يقيل، وكالعافية.
ويحتمل أن يكون نعتًا لمحذوف تقديره: حالًا عائلة، ومعناه خصلة شاقة.
يقال منه: عالني الأمر يَعُولني: أي شقّ عليّ واشتد.
وحكى الطّبري أنه يقال: عال يعول إذا افتقر.
السادسة في هذه الآية دليل على أن تعلق القلب بالأسباب في الرزق جائز وليس ذلك بمنافٍ للتوكل؛ وإن كان الرزق مقدّرًا، وأمر الله وقسمه مفعولًا، ولكنه علّقه بالأسباب حكمةً؛ ليعلم القلوبَ التي تتعلّق بالأسباب من القلوب التي تتوكل على رب الأرباب.
وقد تقدم أن السبب لا ينافي التوكل.
قال صلى الله عليه وسلم: «لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تَغْدُو خِمَاصًا وتروح بِطانا». أخرجه البخاريّ.
فأخبر أن التوكل الحقيقيّ لا يضادّه الغدوّ والرواح في طلب الرزق.
ابن العربي: ولكن شيوخ الصوفية قالوا: إنما يغدو ويروح في الطاعات؛ فهو السبب الذي يجلب الرزق.
قالوا: والدليل عليه أمران: أحدهما قوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بالصلاة واصطبر عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ}.
الثاني قوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب والعمل الصالح يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10].
فليس يُنزل الرزق من محله وهو السماء، إلا ما يصعد وهو الذكر الطيب والعمل الصالح، وليس بالسعي في الأرض؛ فإنه ليس فيها رزق.
والصحيح ما أحكمته السنة عند فقهاء الظاهر، وهو العمل بالأسباب الدنيوية؛ من الحرث والتجارة في الأسواق، والعمارة للأموال وغرس الثمار.
وقد كانت الصحابة تفعل ذلك والنبيّ صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم.
قال أبو الحسن بن بَطّال: أمر الله سبحانه عباده بالإنفاق من طيبات ما كسبوا، إلى غير ذلك من الآي.
وقال: {فَمَنِ اضطر غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173].
فأحل للمضطر ما كان حَرُم عليه عند عدمه للغذاء الذي أمره باكتسابه والاغتذاء به، ولم يأمره بانتظار طعام ينزل عليه من السماء، ولو ترك السعي في ترك ما يتغذَّى به لكان لنفسه قاتلًا.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلوّى من الجوع ما يجد ما يأكله، ولم ينزل عليه طعام من السماء، وكان يدّخر لأهله قوت سنته حتى فتح الله عليه الفتوح.
وقد روى أنس بن مالك: أن رجلًا أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم ببعير فقال: يا رسول الله، أعقله وأتوكّل أو أطلقه وأتوكّل؟ قال: «اعقله وتوكّل».
قلت: ولا حجة لهم في أهل الصُّفَّة؛ فإنهم كانوا فقراء يقعدون في المسجد ما يحرثون ولا يتّجرون، ليس لهم كسب ولا مال، إنما هم أضياف الإسلام عند ضيق البلدان، ومع ذلك فإنهم كانوا يحتطبون بالنهار ويسوقون الماء إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقرؤون القرآن بالليل ويصلّون.
هكذا وصفهم البخاري وغيره.
فكانوا يتسبّبون.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا جاءته هدية أكلها معهم، وإن كانت صدقة خصّهم بها، فلما كثر الفتح وانتشر الإسلام خرجوا وتأمّروا كأبي هريرة وغيره وما قعدوا.
ثم قيل: الأسباب التي يُطلب بها الرزق ستة أنواع:
أعلاها كسب نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ قال: «جعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة والصَّغار على من خالف أمري». خرّجه الترمذيّ وصححه.
فجعل الله رزق نبيّه صلى الله عليه وسلم في كسبه لفضله، وخصّه بأفضل أنواع الكسب؛ وهو أخذ الغلبة والقهر لشرفه.
الثاني أكل الرجل من عمل يده؛ قال صلى الله عليه وسلم: «إنّ أطيب ما أكل الرجل من عمل يده وإن نبيّ الله داود كان يأكل من عمل يده». خرّجه البخاري.
وفي التنزيل {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ}، ورُوي أن عيسى عليه السلام كان يأكل من غزل أُمه.
الثالث التجارة، وهي كانت عمل جُلّ الصحابة رضوان الله عليهم، وخاصّة المهاجرين؛ وقد دلّ عليها التنزيل في غير موضع.
الرابع الحرث والغرس.
وقد بيناه في سورة البقرة.
الخامس إقراء القرآن وتعليمه والرُّقْيَة، وقد مضى في الفاتحة.
السادس يأخذ بنّية الأداء إذا احتاج؛ قال صلى الله عليه وسلم: «من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدّى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله». خرّجه البخارِيّ.
رواه أبو هريرة رضي الله عنه.
السابعة قوله تعالى: {إِن شَاءَ} دليل على أن الرزق ليس بالاجتهاد، وإنما هو من فضل الله تولّى قسمته بين عباده؛ وذلك بيّنٌ في قوله تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي الحياة الدنيا} [الزخرف: 32] الآية. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس}
قيل: أراد بالمشركين عبدة الأصنام دون غيرهم من أصناف الكفار.
وقيل: بل أراد جميع أصناف الكفار عبدة الأصنام وغيرهم من اليهود والنصارى.
والنجس: الشيء القذر من الناس وغيرهم.
وقيل: النجس الشيء الخبيث وأراد بهذه النجاسة نجاسة الحكم لا نجاسة العين.
سموا نجسًا على الذم لأن الفقهاء اتفقوا على طهارة أبدانهم.
وقيل: هم أنجاس العين كالكلب والخنزير.
حتى قال الحسن بن صالح: من مس مشركًا فليتوضأ.
ويروى هذا عن الزيدية من الشيعة والقول الأول أصح وقال قتادة سماهم: نجسًا لأنهم يجنبون فلا يغتسلون ويحدثون فلا يتوضؤون {فلا يقربوا المسجد الحرام} المراد: منعهم من دخول الحرم لأنهم إذا دخلوا الحرم فقد قربوا من المسجد الحرام ويؤكد هذا قوله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام} أراد به الحرم لأنه أسرى به صلى الله عليه وسلم من بيت أم هانئ.
قال العلماء: وجملة بلاد الإسلام في حق الكفار ثلاثة أقسام أحدها: الحرم فلا يجوز لكافر أن يدخله بحال ذميمًا كان أو مستأمنًا لظاهر هذه الآية وبه قال الشافعي وأحمد ومالك فلو جاء رسول من دار الكفر والإمام في الحرم فلا يأذن له في دخول الحرم بل يخرج إليه بنفسه أو يبعث إليه من يسمع رسالته خارج الحرم وجوز أبو حنيفة وأهل الكوفة للمعاهدة حول الحرم القسم الثاني من بلاد الإسلام الحجاز وحده ما بين اليمامة واليمن ونجد والمدينة الشريفة قيل نصفها تهامي ونصفها حجازي.
وقيل: كلها حجازي: وقال ابن الكلبي: حد الحجاز ما بين جبل طيء وطريق العراق سمي حجازًا لأنه حجز بين تهامة، ونجد.
وقيل: لأنه حجز بين نجد والسراة.
وقيل: لأنه حجز بين نجد وتهامة والشام.
قال الحربي: وتبوك من الحجاز فيجوز للكفار دخول أرض الحجاز بالإذن ولكن لا يقيمون فيها أكثر من مقام المسافر وهو ثلاثة أيام.
(م) عن ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب فلا أترك فيها إلا مسلمًا زاد في رواية لغير مسلم وأوصى فقال أخرجو المشركين من جزيرة العرب فلم يتفرغ لذلك أبو بكر وأجلاهم عمر في خلافته وأجل لمن يقدم تاجرًا ثلاثًا.